pm+
----
-
كان ميلاد "أدب الخيال العلمي" خلال العصر الحديث
تعبيرا انسانيا ولو من باب الخيال المحض حول الطبيعة و تجاوز معوقاتها.
فولد ذلك النمط الجديد للتعبير عن محاولة الإنسان استلهام العلم و محاولة
تجاوز الواقع لاستشراف المستقبل.
قدمت د. مها مظلوم تعريفا لرواية الخيال العلمي بما نصه:" هي رواية
مستقبلية تقوم على الحقيقة الثابتة حينا أو المتخيلة عن جانب مجهول من
الكون و الحياة حينا آخر, شخصيتها اسمية أو رقمية غير مكتملة الهيئة النفسي
والجسدية , تنقل زمان الخطاب الروائي – المسرود في الغالب – إلى زمان
مستقبلى أو استرجاعي متوهم, و إلى مكان خيالي , أحداثها مشوقة و مثيرة تدفع
إلى التفكير في نتائج هذا الخيال المقنن و الموظف , فتقدم حلولا مستقبلية
يجب أن تكون عليه في ظل التقدم العلمي المتسارع, كذلك تقدم محاذير لنتائج
تلك النظريات العلمية ا`ذا اسىء استخدامها دون حساب النتائج , عنصراها
العلم و الأدب."
بدأت الرواية العلمية في العالم العربي خلال فترة الستينيات من القرن
العشرين . وهذا التاريخ يتجاهل بعض المحاولات غير المتعمدة لبعض الكتاب من
قبل .كما عن الكاتب توفيق الحكيم في بعض قصصه القصيرة و المسرحية, كذلك "عز
الدين إسماعيل" في مجموعة من التمثيليات الإذاعية .. و غيرهما.
خلال الستينيات كان الوعي و إرادة الكتابة في الخيال العلمي هي السمة ,
وليس من باب التجريب و العرض. فقد كتب "د.مصطفى محمود" رواية "العنكبوت"
عام 1965, و"رجل تحت الصفر" عام 1967م..ثم "نهاد شريف" في روايته " قاهر
الزمان" عام 1974, و"سكان العالم الثاني" عام 1977, و "الشيء" عام 1989 , و
رواية "ابن النجوم" عام 1997.
كما كانت هناك العديد من الروايات بقلم " صبري موسى", و"ايهاب الأزهري", و
"اميمة خفاجى"..وغيرهم .
ربما يمكن عرض مجمل الأفكار (أو اغلبها) التي تناولها كتاب الخيال العلمي
في العربية. منها: الأطباق الطائرة و تأثيرها, علاج بعض الأمراض الاجتماعية
, فكرة التناسخ , نقد تأثير النظم السياسية على الأفراد , تطور الهندسة
الوراثية , فكرة الخلود , فكرة الحياة الأفضل أو يوتوبيا المدينة الفاضلة ,
الحلم بحضارة مختلفة .
إلا أن هناك بعض الأعمال التي تتناول فكرة "السلام" و الحلم بمجتمع عالمي
آمن.. أو هي فكرة "السلام المطلق". وضحت في رواية " سكان العالم الثاني "
للكاتب "نهاد شريف. وفيها يشير الكاتب إلى السلام المرهون بالقوة , و أنه
يرى عدم إمكانية تحقيق السلام إلا بالقوة, وليس برغبة الأفراد و الشعوب فقط
, ولا حتى الحكام .
في قصة قصيرة " رقم 4 .. يأمركم" للكاتب "نهاد شريف" , يبرر الكاتب تدمير
"اتلانتس" الجزيرة التي هوت في المحيط, تلك التي سقطت و تلاشت لم يكن ذلك
إلا بسبب الصراع الداخلي. لكن مخلوقات كوكب المريخ يعتقدون بفناء كوكب
الأرض كله و ليس جزء منها (اتلنتس) إذا قامت حرب نووية و إذا زاد مخزون
السلاح.
أما رواية "السيد من حقل السبانخ" , فالكاتب "صبري موسى" يعبر عن الخوف من
السلام برؤية داخلية أي داخل مفهوم السلام, فيقول السيد"هومر":"أيها السادة
إنكم تقتلون الأحاسيس الخلاقة في المواطنين.. إنكم تقتلون الحرية لشخصية
داخل فكرة الانضباط.. و تعوقون الخيال الإنساني عن الانطلاق الجامح الذي
تولد فيه العبقرية الخلاقة"
ومسرحية "عائلة السيد رقم 1" للكاتب "صلاح معاطى" , فيها تخيل الكاتب حياة
جديدة للإنسان الآلي حتى وصل إلى مستو عال من الأداء, بل من القيادة
الإدارية بالمؤسسات الاقتصادية , ثم التفكير المستقبلي. فقد تعددت أجياله ,
و اتصف بالانضباط السلوكي و النفسي, وشكلت مجتمعا أشبه بمجتمع البشر. فلما
أصاب الوهن قواها الآلية , تفككت القيم و أصبح الجيل الجديد مناقضا للجيل
الأكبر منه . في المقابل تحول البشر إلى خدم في هذا المجتمع الآلي الجديد.
روايدا شعر البشر بقهر الآلي , و بدأ يصرخ (الكاتب) من خوف سيطرة الآلة , و
بدأت الدعوة للمطالبة بالحرية من قهر و سيطرة الآلة... إذن فقد الإنسان
مجتمعه البشرى و قام المجتمع الآلي, قال خادم السيد رقم1: "ولكننا بالحب
استعدنا مجدنا القديم"
الأمثلة السابقة و غيرها تكشف أكثر ما تكشفه عن أن موضوع الحرب و السلام , و
الخوف من المستقبل هي من الموضوعات التي شغلت كتاب أدب الخيال العلمي
كثيرا .
وتشير إحصاءات القراءة في الأدب الغربي/ الأوروبي الآن , أن منتج الخيال
العلمي في الرواية يمثل أكثر من 30% من الكم الإجمالي للرواية..فإذا ما
أضفنا تلك الروايات التي تتناول الفورم أو الشكل المثير "الأكشن" , ثم
الشكل البوليسي ..يمكن بالتالي أن نستنتج غلبة أشكال روائية جديدة, وقلة
المنتج والمعروض من الروايات الإنسانية بالمعنى والشكل والتناول المتعارف
عليه..وهو الذي يسعى إلى أعماق النفس البشرية والعلاقات الإنسانية بين
الفرد والجماعة.
وهو ما جعل البعض يعلن عن تخوفه من تلك الحقيقة, وبدأت تعلو بعض الأصوات
لتعلن عن ضرورة مراعاة الجوانب الإنسانية والعلاقات الاجتماعية في المجتمع.
أما في العالم العربي فمازال أدب الخيال العلمي في مراحله الأولى, وكم
المنتج منه محدود, ولا يمثل أية مشكلة, بل ندعو إلى الخوض فيه للأخذ من
ميزاته التي هي مزيج من الانفراج الخيالي, والمزج بين الحقائق العلمية
والحياة اليومية المتخيلة.